هناك العديد من العوامل التي أدت إلى الاهتمام بدراسة السكان والبحث في خصائصهم من بينها الانفجار السكاني الذي إلى تمت ملاحظته في القرن التاسع عشر، ففي خلال ثلاث قرون فقط زاد عدد السكان على مستوى العالم بنحو 2.5 مليار نسمة وتعد قارة آسيا أكثر قارات العالم التي شهدت زيادة في حجم السكان.
ومن بين العوامل الأخرى التي دفعت العلماء إلى الاهتمام بدراسة السكان هو مدى تأثير الجماعات البشرية السكانية في المجتمع نظرًا لأن الفرد هو العامل الأساسي في بناء أو هدم المجتمعات، فضلاً عن تأثره بالعوامل المحيطة به وهي العوامل التي تؤثر في الكثافة السكانية سواء بالإيجاب أو السلب.
الجماعة البشرية السكانية
يُطلق على مصطلح الجماعة البشرية السكانية اسم “علم السكان” والذي يُعرف أيضًا باسم “الديموغرافيا” أو “الدراسات السكانية”، ويعتمد على المنهج العلمي في دراسة الخصائص التي تتمتع بها المجتمعات في مختلف دول العالم، وتتمثل هذه الخصائص في: معدل المواليد، معدل الوفيات، معدل الهجرة، نسبة الأمراض، نسبة الكثافة السكانية، الأعراق المختلفة، نسبة الذكور والإناث الذي يُعرف بالتركيب العمري، إلى جانب دراسة التركيب المهني والتركيب التعليمي.
تاريخ علم السكان
نشأ علم السكان جراء اهتمام المفكرين والفلاسفة بدراسة السكان وخصائصهم ولم تعتمد أفكارهم في البداية على المنهج العلمي، ومن أبرز الفلاسفة والمفكرين الذين ساهموا في نشأة علم السكان ما يلي:
كونفيشيوس
يعد كونفيشيوس فيلسوف صيني وأول من اهتم بدراسة السكان في الصين من الناحية الأخلاقية، كما أنه تطرق إلى قضية التوزيع السكاني عبر ذكر العوامل المؤثرة في زيادة أو قلة الكثافة السكانية، إلى جانب أنه بحث في حل مشكلة الكثافة السكانية العالية في مناطق محددة من خلال توفير الموارد المطلوبة في المناطق المنخفضة في الكثافة السكانية.
أفلاطون
من أبرز الفلاسفة اليونانيين الذين اهتموا بدراسة التوزيع السكاني وتقدير الحجم الأمثل لعدد السكان، فضلاً عن تحقيق التوازن في المناطق المرتفعة والمنخفضة في الكثافة السكانية.
أرسطو
تطرف الفيلسوف اليوناني أرسطو إلى دراسة توزيع السكان وفقًا لعدد من المعايير من بينها المهن، إلى جانب ضرورة تحقيق التوازن بين الكثافة السكانية وبين الموارد المتوفرة، كما أنه اتفق مع أفلاطون على ضرورة وضع عدد أمثل للسكان.
ابن خلدون
يعد ابن خلدون من أبرز العلماء الذين ساهموا في تطوير علم السكان، ويعتقد أن الزيادة السكانية تلعب دور مؤثر في رفع معدل الإنتاجية الذي بدوره يساهم في تلبية احتياجات السكان في مختلف الخدمات، إلى جانب زيادة معدل فرص العمل، وهذا يتحقق في حالة تضافر الجهود بين ��فراد المجتمع، وقد اعتمد ابن خلدون في دراسته عن علم السكان على المنهج العلمي.
أهمية علم السكان
- يساهم علم السكان في فهم وتحليل التركيبة السكانية للمجتمعات.
- له دور فعال في توفير كافة المعلومات المطلوبة خصائص السكان المتعددة من معدل الهجرة ومعدل الكثافة السكانية، إلى جانب معدل المواليد والوفيات، وتساعد هذه المعلومات في وضع خطط للمشروعات.
- التعرف على معدلات الارتفاع أو الانخفاض في معدل النمو السكاني، و معرفة أسباب كلاً منهما.
- يعد علم السكان من العوامل المؤثرة التي تساعد الحكومات على توفير الخدمات والموارد المطلوبة للسكان.
- تحديد أنواع المناطق الجغرافية التي تنقسم إلى منطقة جذب سكاني وطرد سكاني.
أنواع علم السكان
ينقسم علم السكان إلى ثلاثة أنواع أساسية وهم:
- علم تاريخي: يدرس خصائص السكان التي عاشت قديمًا.
- علم نظري: يدرس بطريقة نظرية كافة القضايا الخاصة بعلم السكان أبرزها قضية التوزيع السكاني.
- علم وصفي: يركز على دراسة نسبة الكثافة السكانية والعوامل المؤثرة فيها.
نمو الجماعة البشرية
يرتفع معدل النمو السكاني في المجتمعات وفقًا لمدى توافر الموارد المطلوبة وتحسن مستوى الخدمات والتطور العلمي، ودراسة اتجاهات النمو السكاني تعتمد على ثلاثة معايير وهم ما يلي:
- النمو الصفري للجماعة: وهو من بين العوامل المؤثرة في زيادة النمو السكاني، ويشير النمو الصفري في مصطلحه إلى تعادل نسبة الهجرة الداخلية ومعدل الوفيات مع نسبة الهجرة الخارجية ومعدل المواليد.
- التحول السكاني: يُقصد بالتحول السكاني التغييرات التي تحدث في الكثافة السكانية، وتتمثل في تحول نسبة المواليد أو الوفيات من نسبة مرتفعة إلى نسبة منخفضة.
- التركيب العمري: يتمثل في دراسة أعمار نسب الذكور ونسب الإناث في المجتمعات.
العوامل المؤثرة في التوزيع السكاني
تختلف المجتمعات فيما بينها في التوزيع السكاني، فهناك مناطق جغرافية تشهد ازدياد هائل في الكثافة السكانية، وهناك مناطق أخرى تشهد نقصان ملحوظ في أعداد السكان، وفي كل دولة من دول العالم هناك مناطق ذات كثافة سكانية عالية وأخرى ذات كثافة سكانية منخفضة، وهذا يحدث نتيجة للعديد من العوامل مثل ما يلي:
وسائل المواصلات
ففي حالة توافر وسائل مواصلات في منطقة جغرافية محددة فهذا بدوره يمثل عامل جذب للسكان، وذلك لأنها تيسر الحياة اليومية لهم في الانتقال للمسافات البعيدة.
الحروب
- تمثل أحد أبرز العوامل التي تؤثر بشكل سلبي في التركيز السكاني، وذلك لأنها تتسبب في قتل أعداد هائلة من السكان.
- إلى جانب هدم منازل الكثير منهم مما يؤدي ذلك إلى تشريدهم، وهذا بدوره يدفعهم إلى اللجوء للعيش إلى مناطق آمنة توفر لهم حياة كريمة.
الهجرة
- تلعب الهجرة الداخلية دورًا محوريًا في التركيز السكاني، ومن أبرز الأمثلة عليها الهجرة من القرى إلى المدن نظرًا لتوافر فيها كافة الخدمات.
- كما أن الهجرة الخارجية من دولة إلى دولة أخرى من العوامل المؤثرة في الكثافة السكانية.
- فمن أبرز العوامل التي تدفع الأفراد إلى الهجرة الخارجية البحث عن حياة معيشية كريمة من خلال فرص العمل وذلك يحدث في حالة عدم توافر فرص العمل في الدولة التي يهاجر منها أفرادها.
العوامل الديموغرافية
- وتتمثل العوامل الديموغرافية معدل المواليد والذي يتزايد أو يتناقص وفقًا لعدد من المعايير أبرزها مدى الالتزام بتنظيم النسل فهناك أسر تنجب طفل واحد أو طفلين بحد أقصى، وأسر أخرى تنجب ما يزيد عن 3 أطفال.
- كما أنه من بين العوامل الديموغرافية المؤثرة في التوزيع السكاني معدل الوفيات حيث يرتفع هذا المعدل أو ينخفض وفقًا للوضع الصحي من مدى توافر الخدمات الصحية المطلوبة ومستوى العناية بالمرضي، كما أن تفشي الأوبئة من أبرز العوامل التي تساهم في ارتفاع معدل الوفيات.
التضاريس
- تتمثل التضاريس في الجبال والسهول فالمناطق الجبلية تعد من المناطق الغير جاذبة للسكان بسبب عوامل عدة من بينها قلة معدل الضغط الجوي ومعدل الأكسجين وذلك في حالة وجود جبال شاهقة.
- أما في حالة وجود مناطق تجمع بين السهول والجبال ذات الغير مرتفعة فهذا يساهم في زيادة التركيز السكاني.
العوامل والموارد الطبيعية
المناخ
- يمثل المناخ عامل من عوامل التي لها دور حيوي في التوزيع السكاني.
- فإذا كانت العوامل المناخية مناسبة للحياة فهذا بدوره يساعد في ارتفاع تركيز السكان ويتمثل في المناخ المعتدل.
- أما إذا كان المنطقة الجغرافية يسودها مناخ غير ملائم كالمناخ البارد أو المناخ الصحراوي فهذا بدوره يساهم في قلة التركيز السكاني.
التربة
- تعد التربة من أبرز العوامل المؤثرة في زيادة التركيز السكاني، ففي حالة وجود تربة خصبة فهذا يعد من عوامل الجذب السكاني الذي يساعد على ممارسة الزراعة والانتفاع منها.
- أما إذا كان هناك تربة غير خصبة في منطقة صحراوية على سبيل المثال فذلك يعد من العوامل التي تؤثر بشكل حيوي في انخفاض التركيز السكاني.
المياه
- تلعب المياه دورًا محوريًا في ارتفاع أو انخفاض التوزيع السكاني، فالمناطق ذات التوزيع السكاني المرتفع هي المناطق التي يتوافر فيها المسطحات المائية كالأنهار والبحار.
- على عكس المناطق الطاردة للسكان التي لا يتوافر فيها مصادر للمياه كافية للسكان.